بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الأزلى هو اللائق بالله سبحانه, و التحيّة الأبدية موجّهة إلي أنبياء الله الكرام و نخصّ بالذكر خاتم الأنبياءصلی الله عليه و آله و الصلاة و السلام علي أهل بيت العصمة و الطهارة و لاسيّما خاتم الأوصياء الإمام المهدى الموجود الموعودعجل الله فرجه و نحن نتولّي هذه الذوات القدسيّة و نتبرّأ من المعاندين لهم.

و نحن إذ نرحّب و نكرّم حضور الحجّاج المحترمين و المعتمرين الأفاضل القادمين إلي الحرم الإلهى من الأقاليم البعيدة و القريبة فانّنا نطلب من الله المنّان التوفيق الكامل ليعودوا بحجّ مقبول و عمرة و زيارة مقبولتين و أدعية مستجابة, و نسأل البارى تعالي التوفيق للمتصدّين للضيافة فـى البلد المضيف المهمّ (المملكة العربية السعودية), و نؤكّد علي ضرورة التعامل المتوازِن بين العاكف و البادى, و بين العرب و العجم.

و صحيح أنّ جمال الحجّ و جلال العمرة و عظمة المؤتمر السنوىّ لضيافة الله هو أرفع من أن يكون بحاجة إلي بيان, إلاّ أنّ التذكير ببعض النقاط المهمّة سوف يكون دافعاً للانتفاع أكثر من هذا المؤتمر الدولىّ.

النقطة الاوليٰ: انّ الكعبة الشريفة التـى هى قبلة المسلمين فـى العالم و مطافهم قد جعلها الله سبحانه عاملاً لقيام الناس فـى مقابل الجهل العلمىّ و الجهالة العمليّة عند المنحرفين: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ﴾.[1] فالكعبة التـى بناها نبيّان كريمان من أنبياء الله حسب إرشاد الله تعالي و هدايته, و هى تُعدّ أوّل معبد توحيدىّ علي وجه الأرض, يمكن أن تصبح محوراً لمقاومة المجتمع التوحيدىّ فـى مقابل الإلحاد و فـى وجه الشرك أيضاً و مداراً للصمود فـى وجه أىّ لون من ألوان الظلم و الطغيان.

و صحيح أنّ الله تعالي أمر بعقد المؤتمرات المحليّة و ذلك للقيام المحدود عن تفكّر و للصمود المتعقّل بصورة مرحليّة فقال تعالي علي سبيل المثال: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للَّهِ‏ِ مَثْنَي وَفُرَادَي ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ‏ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾;[2] و لكنّه ألزمنا بالقيام العامّ الشامل فـى مجال مهبط الوحى, بحيث يصبح القيام الفردىّ غير متمتّع بآثار الصمود الجماعىّ و هذا يُشبه أداء الصلاة بصورة انفراديّة حيث لا يكون لها آثار صلاة الجماعة, و الذى يظهر من هذه الآية الكريمة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾[3] هو أنّ الاعتصام الفردىّ بحبل الله المتين و الدين الإسلامىّ المبين المعروض علي الناس من خلال الثقلين لا يتمتّع بآثار الاعتصام الجماعىّ و من دون افتراق, و الحجّ فرصة مناسبة لهذا القيام الجماعىّ من أجل ترويج التوحيد و تعريف المجتمع البشرى بمزاياه و التحذير من الآثار المدمّرة للانحراف عنه.

النقطة الثانية: انّ خير الزاد للحجّاج و المعتمرين هو ما تقدّمه المائدة الإلهيّة و مأدبة الله جلّ و علا, و هو عبارة عن المعرفة الخالصة لله سبحانه و أسمائه الحسنيٰ و معرفة صفاته العليا و التعرّف علي علوم الوحى التـى جاء بها ذلك النبىّ العظيم, و قد تمّ إبلاغها للناس بواسطة الملائكة و المعصومين من بنى آدم, و انّ مثل هذه الرسالة تشكّل الأرضية لصيانة الكعبة من لوث الوثن و الصنم و طهارة أرض الوحى من روث اللات و العزّيٰ و نزاهة حرم الله من رجس الخمر و رجز القمار أولاً, و وسيلة لتحرّر سائر المناطق من دَنَس ذنب الظلم للمحرومين و الوصول إلي الرفاهية النسبيّة فـى ظلّ الإسلام ثانياً. و لهذا قال الإمام جعفربن‌محمّدالصادقعليه السلام: «لا يزالُ الدّينُ قائماً ما قامَتِ الْكَعْبَةُ»[4] و قيام الكعبة يتحقّق من خلال كون قبلة المسلمين معمورة و استمراريّة كونها مطافاً, و هاتان الميزتان تتحقّقان بواسطة أولياء الله الخاصّين: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾.[5]

و فـى الجاهلية ـ التـى هى زمان الفترة ـ كان غبار الجهل و رَين الضلال قد غطّي وجه الفطرة, و عند ما يحلّ غبار الذنب فان صفاء الروح يرحل و يخلو الميدان لتجول فيه الرغبات المنبعثة من الوهم و الخيال فـى مجال الفكر, و الشهوة و الغضب فـى مجال الدافع, و تكون الثمرة المُرّة لمثل هذا الجهل العلمىّ و هذه الجهالة العمليّة أن يتحوّل أهمّ معبد إلهى ليصبح أشهر مقرّ للأصنام و أن يجسّموا بصورة الأصنام نبيّين من أنبياء التوحيد, و هما إبراهيم الخليل و إسماعيل الذبيح اللّذان كانا يحملان علم عبادة الله علي عاتقيهما و فأس تكسير الأصنام فـى أيديهما و قد سجّلا فـى سجلّ أعمالهما ذلك التاريخ المشرق          ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ﴾[6], و أعلنا بشجاعة: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[7] و قد صوّروهما بصورة منفّرة حيث كانت أزلام القمار فـى أيديهما و هى الأيدى التـى كانت فـى الواقع تحمل فأس تحطيم الأصنام. و هذا هو ما نقله محمدبن‌الأثير الجزرى فـى جامع الاُصول فـى أحاديث الرسول عن عبدالله‌بن‌عباس: «إنّ رسول الله لما قَدِمَ, أبيٰ أنْ يَدخُلَ البيت و فيه الآلهة, فأمَرَ بها فَأُخْرِجَتْ, فأخرجوا صورة إبراهيم و إسماعيل و فـى أيديهما الأزلام, فقال رسول الله: قاتلهم الله, أما واللهِ لقد علموا أنّهما لم يستقسِما بها قطّ, فدخلَ البيت فَكَبَّرَ فـى نواحيه و لم يُصَلِّ فيه». أخرجه البخارى.[8]

و الآن حيث يدعو نور الإسلام المجتمع البشرى إلي الرؤية الكونية التوحيدية الحكيمة و إلي عالم يكون معماره المعنوى و زينته العقليّة الالتزام الدينى فانّه يكشف بفضل الوحدة الإسلامية الدسائس المشؤومة لكلّ أبرهة يحيك فـى خياله الساذج موضوع الإهانة للقرآن الكريم أو هتك حرمة خاتم الأنبياء و المرسلين و يُلغى تأثيرها, و أفضل فرصة لإنجاز هذا الأمر المهمّ هو المراسم العالميّة للحجّ, حيث يتمّ بواسطة التنسيق بين جميع الموحّدين معالجة أىّ لون من ألوان الاعوجاج فـى التفكير أو الانحراف فـى المسيرة.

النقطة الثالثة: انّ التقابل بين الحقّ و الباطل, و التطارد بين الخير و الشرّ, و التمانع بين الصدق و الكذب, و التنافـى بين الحسن و القبح و بالتالى أنّ براءة التوحيد من الشرك و نزاهة التألّه من الإلحاد هو فـى مستويً بحيث إنّ الإيمان لن يجتمع اطلاقاً مع ذرّة من الكفر, و هنا يمسى المجموع من الحَسَن و القبيح قبيحاً, و المرقّع من قبول الحقّ و النكول عنه نكولاً, و هذا الموضوع هو نفس تلك الملاحظة التوحيدية الفاخرة التـى أشار إليها القرآن المجيد فقال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ‏﴾;[9] ﴿أَلا للَّهِ‏ِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾.[10]

و انّ ورثة سيدنا إبراهيم الخليلعليه السلام لابدّ أن ينهضوا برسالة مهمّة و هى حراسة التلبية من لوث شرك الجاهلية الحديثة و ذلك لأنّ الجاهليّة القديمة قد أدخلت الشرك الصريح إلي حرم التوحيد الآمن, و أمست شبيهة بالشىء الذى كانت منزّهة عنه, إذ أنّ مشركى الحجاز كانوا يقولون عند التلبية فـى الحج: «لبيك لا شريك لَك الاّ شريكاً هو لَك تَملِكُهُ و ما مَلَك»[11] و بهذا الشعار المعجون بالشرك كانوا يطوفون.

و صحيح أنّه فـى العصر الحاضر لا يوجد أثر للأصنام الصوريّة و الأوثان المحسوسة, و لكنّه يلاحظ بوضوح فـى بعض الأفراد و الشعوب و الاُمم آثار للاتّجاه و الميل إلي الاستكبار أو الصهيونيّة أو سائر ظواهر تكديس الثروة و السلطة الغاشمة و مع وجود مثل هذا التولّى المذموم مكان التبرّى المحمود فانّ تلبية هؤلاء تكون مشوبة بالتلبية لدعوة و حِيَل الاستعمار القديم و الاستكبار الحديث و يُمسى هذا الأمر مصداقاً للآية المباركة: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾[12] و الذى يظهر من أمر الله تعاليٰ لسيّدنا إبراهيم و سيّدنا إسماعيلعليه السلام فيما يتعلّق بتطهير البيت الإلهى من فرث الصنم و دم الوثن هو أن يصبح اللبن الخالص للحكمة التوحيدية نصيب الزائرين للمطاف و القبلة و أن لا يتلوّث ضيوف الرحمان بغبار الشرك و منذ قديم الأزمان قيل: «أكثَفُ الصَنَم الوَثنُ و ألْطَفُهُ الهويٰ» فالصنم كثيف و الوثن مادى محسوس إلاّ أنّ الهويٰ ألطف و أرقّ حيث يغدو مانعاً من أىّ لون من ألوان الطهارة و العبادة: «... إتّقوا إنّ الهويٰ حَيْضُ الرّجال».

النقطة الرابعة: انّ الحجّاج و المعتمرين الموفّقين هم الذين يجمعون ـ بالجمع السالم ـ بين أن يكونوا ضيوفاً و أن يكونوا مضيفين فهم متمتّعون بفيض الضيافة و فوز الإضافة, بمعنيٰ أنّهم أهل ليصبحوا ضيوف الله سبحانه فـى أرض الوحى و هم مؤهّلون أيضاً ليغدوا مضيفين لصاحب البيت.

إنّ الذات الإلهية المقدّسة ـ فـى هويّتها المطلقة ـ ليست معقولة للحكيم و لا مشهودة للعارف و ذلك لأنّ الحقيقة الخارجية البسيطة اللامتناهية لن تكون ذهنيّة إطلاقاً, لأنّها خارجية بذاتها, و لا يمكن أن تقبل التجزئة لأنّها بسيطة, و لا يمكن معرفة كُنهها لأنّها غير محدودة, و أمّا الأسماء الحسنيٰ و الصفات الذاتيّة لذلك السبّوح القدوس فهى أيضاً عين ذاته و تتمتع بنفس حكم ذات الله تعالي; و تبقيٰ الأسماء الفعلية و الأوصاف الخارجة عن الذات و القائمة بها قياماً صدوريّاً أو ظهورياً فهذه قابلة للتحليل العقلى و يمكن أيضاً أن يتعلّق بها الشهود القلبى. و موضوع ضيافة الله تعالي و كذا إضافته سبحانه فهاتان صفتان من أوصافه الفعلية جلّ و علا. و لمّا كان الله سبحانه من حيث التجلى ـ و عالم الإمكان مجال لتجلّى الله تعالي كما يؤكّد سيّد الموحّدين على‌بن‌أبى‌طالبعليه السلام«‌اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَجَلِّى لِخَلْقِهِ بِخَلْقِهِ»[13] ـ يظهر فـى العلوّ أحياناً و فـى الدنوّ أحياناً اُخريٰ ـ كما يقول سيّدنا الإمام علىّ‌بن‌الحسين‌ السجّادعليه السلام: ‌ ‌«‌لا إله إلاّ أنْتَ، الدانـى فـى عُلُوِّه و العالـى فـى دُنوِّه»[14] ـ فهو عندما يظهر فـى العلوّ يقبل المؤمنين عنده فيصبحون ضيوفه و يغرقهم بألوان اللطف و يغدق عليهم بالتغذية الروحيّة فيوفّر لزائرى بيت التوحيد مائدة القرآن الكريم و مأدبة سنة المعصومينعليهم السلام و عندما يتجلّي فـى الدنوّ و القرب فانّه يقبل الضيافة عند أصحاب القلوب المكسورة و يحلّ ضيفاً فـى قلوبهم المنكسرة فيسمع نجواهم و يستمع إلي نغمات تسبيحهم و تقديسهم فيحقّق: «‌سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه» بالنسبة إليهم و ينفّذ الوعد الملكوتى القائل: ‌«أنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرةِ قُلوبُهم»[15] فتشرق القلوب المتيّمة بالحبّ الإلهى من خلال إضافة الربّ جلّ و علا. و لمّا كان الله سبحانه لا ينشغل بأىّ ظهور عن التجلى الآخر «‌لا يَشْغَلُهُ شأنٌ عن شأنٍ و لا شىءٌ عَن شىءٍ و لا يَشْغَلُهُ إلحاحُ المُلِحّين» لهذا فانّه فـى عين ظهور العلوّ و قبوله الضيوف يحقّق تجلّى الدنوّ و القرب فيقبل أن يصبح ضيفاً فـى القلوب المنكسرة. و من الواضح أنّ توفيق العبد ليصبح مضيفاً لله سبحانه يتمّ ببركة كون ذلك العبد ضيفاً لله تعالي, فهو جلّ و علا يعطى الاستعداد بفيض منه, و بفيض آخر يلطف بشكل خاصّ فيثرى استعداد المستعدّ.

أجل إنّ الله سبحانه و تعاليٰ جامع ـ بالجمع السالم ـ لجميع الأسماء الحسنيٰ نظير العالى و الدانى بشكل كامل, و مظاهره التامّة المتمتّعون بجوامع الكلم ـ مثل النبى الخاتمصلی الله عليه و آلهو آل طه و اُسرة ياسينعليهم السلامـ جامعون لهذين الكمالين بصورة الجمع السالم, إلاّ أنّ الأفراد الآخرين ينقسمون إلي عدّة فئات; فالبعض محروم أساساً من فيض ضيافة الله عزّ و جلّ: ﴿أُولئِك يُنَادَوْنَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾;[16] و فئة تتمتّع بنعمة ضيافة الرحمان فـى أيّام شهر رمضان المبارك أو فـى أيام الحجّ و العمرة و لكنّها لم تنل بعد توفيق صيرورتها مضيفاً لله سبحانه, و فئة نالت التوفيق لكلا الفيضين (الضيافة و الإضافة) و لكن بصورة الجمع المكسّر و ليس الجمع السالم, و هناك أفراد قليلون ظفروا بالجمع السالم بين فيض الضيافة و فوز الإضافة لله تعالي.

و الآن أيّها الحجّاج الكرام و المعتمرون المحترمون القادمون من مشارق الأرض و مغاربها اُطلبوا فـى أدعيتكم و مناجاتكم هذين الأمرين و ألحّوا فـى طلب الجمع السالم بينهما من الله الظاهر فيضه فـى الأشياء من دون امتزاج و حلول و اتّحاد, و الخارج عن الأشياء من دون بينونة و ابتعاد و غربة, و لا تفكّروا فـى هذه الساحة المغتنمة إلاّ بتوحيد الله و وحدة الاُمّة الإسلاميّة و البراءة من الإلحاد و الشرك.

و نرجوا من الله عزّ و جلّ أن تكون هذه نهاية ليل ظلم الاستكبار و عدوان الاستعمار و جفاء الاستثمار و قهر الاستعباد و حِيَل الاستحمار, و أن تكون اشراقة صبح الحقّ و العقل و العدل و الاستقلال و تحرّر المجتمعات البشريّة.

النقطة الخامسة: انّ دوام فيض الله تعالي يمكن مشاهدته فـى الأدعية الخاصّة بشهر رمضان المبارك حيث تكون مائدة ضيافة الله ممدودة, فقد ورد الأمر المؤكّد و المكرّر فـى شهر الله سبحانه بطلب زيارة بيت الله تعالي: ‌«‌وارزقنـى حجّ بيتك الحرام فـى عامي هذا و فـى كل عام»[17], حيث يكونان نموذجين بارزين لإضافة الله عزّ و جلّ. فالإضافة الإلهية لا تنحصر فـى البركات المعنوية كالعلم و الحكمة بل تكون شاملة أيضاً للتمتّع بالنعم الماديّة.

و السرّ فـى هذا الأمر يمكن استظهاره من الحكم الإلهى المنقول عن النبى الأكرمصلی الله عليه و آله: قال حمّاد‌بن‌عيسي: سمعت من الإمام جعفر الصادقعليه السلام يقول: إنّ أبى قال: قال أميرالمؤمنين علىّ‌بن‌أبى‌طالبعليه السلام: إنّ الرسول الأكرمصلی الله عليه و آله أصدر أمره إلي بُدَيل‌بن‌ورقاء الخزاعى أن يعلن بين الناس فـى أيام منيٰ: ‌«ألا لا تَصوموا فانّها أيامُ أكلٍ و شُربٍ»[18] و قد ورد أيضاً عن النبىّ الأعظمصلی الله عليه و آله و الأئمة المعصومينعليهم السلام هذا القول: «إانّما كُرِهَ الصّيام فـى أيام التّشريق لأنّ القوم زُوّارُ الله فَهُم فـى ضيافته ولا يَنْبَغى للضَّيف أنْ يصومَ عند مَن زارَه و أضافه»,[19] و من الواضح أنّ المراد من الكراهة هنا هى الحرمة, كما أنّ المقصود من قوله (لا ينبغى) فـى هذا الحديث هو المنع اللزومى أى الحرمة. انّ هذا المنع الخاصّ علامة علي احتياج الضيافة إلي إذن خاصّ, و فـى جميع الموارد لا يمكن الجمع بين الفضيلتين المذكورتين (ضيافة الصيام و ضيافة الحج), لكنّه يمكن دائماً الجمع بين ضيافة الله و إضافته سبحانه و ذلك من خلال تحصيل القلب المنكسر.

و من الضرورىّ الالتفات إلي أنّ انكسار القلب لا يصل إلي كماله اللائق به إلاّ إذا كان من أجل هجران قرب الله و عدم الوصول إلي مقام الرضا الرفيع و أمثال ذلك, و أمّا إذا كان انكسار القلب من أجل الاُمور العاديّة و اللجوء إلي الله تعالي فهو و إن كان من الاُمور المطلوبة دينيّاً لكنّه لا يعدّ من قبيل الكمال النهائى. و قد قال بعض الماضين: انّ البكاء الملازم للحزن يزيل عيب النفس بينما البكاء من الحزن و ليس فـى الحزن تعقبه راحة البال[20] (و راحة البال هذه ليست أمراً مطلوباً).

و الحاصل أنّ صيانة انكسار القلب و عدم ترميمه و إصلاحه توفّر الأرضية لاستمرار و دوام إضافة الله, لأنّ انكسار القلب يتحقّق من خلال معرفة الله و الحياء من إحسانه. [21]

إنّ كثيراً من هذه البركات متوفّرة لضيوف الله الزائرين فـى أرض الوحى, نسأل البارى جلّ و علا أن يعجّل فـى ظهور بقيّة الله الإمام المهدىّ الموجود الموعود عجل الله تعالی فرجه حيث يدعو الأمم فـى جوار الكعبة إلي هذه الاُصول الثلاثة:

1.الرؤية الكونيّة الدينيّة.

2.تعمير العالم معنويّاً علي أساس الإسلام.

3.تزيين العالم بالزينة الإلهيّة.

و ان يزوّد صحابته العقلاء و مرافقيه العادلين بالحياة الطيّبة التـى وعد الله بها المؤمنين.ربّنا و الهنا تقبّل الحجّ و العمرة من ضيوف الرحمان, و تقبّل منهم زيارة قبور النبىصلی الله عليه و آلهو أهل بيته الطيّبينعليهم السلام و الأولياء الصالحين و استجب اللهمّ أدعيتهم الخالصة, و وفّق الجميع للعودة إلي أوطانهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

الجوادى الآملى

أيّام الحجّ فـى عام 1431 هجری قمری

 

[1] . سورهٴ مائده, آيهٴ 79.

 

[2] . سورهٴ سبأ, آيهٴ 64.

 

[3] .  سورهٴ آل‌عمران, آيهٴ 301.

 

[4] . الكافي, ج4, ص172.

 

[5] . سورهٴ انفال, آيهٴ 43.

 

[6] . سورهٴ انبياء, آيهٴ 85.

 

[7] . سورهٴ انبياء, آيهٴ 76.

 

[8] . جامع الاصول, ج3, ص922.

 

[9] . سورهٴ زمر, آيه2.

 

[10] . سورهٴ زمر, آيه 3.

 

[11] . جامع الاصول, ج3, ص49.

 

[12] . سورهٴ يوسف, آيهٴ 601.

 

[13]  . نهج‌البلاغه، خطبهٴ  801.

 

[14]  . الصحيفة السجادية، دعاي 74.

 

[15]  . منية المريد, ص321; التفسير الكبير, ج2, ص023.

 

[16]  . سورهٴ فصلت, آيهٴ 44.

 

[17] . اقبال الأعمال, ص93.

 

[18]  . قرب الإسناد, ص11; وسائل الشيعة, ج10, ص518.

 

[19]  . وسائل الشيعة، ج 10، ص 715.

 

[20]  . مجموعه آثار ابو عبدالرحمن سلّمى، ج 1، ص 314.

 

[21]  . مجموعه آثار ابو عبدالرحمن سلّمى، ج 1، ص 384.

 

​​​​​​​


دیدگاه شما درباره این مطلب
أضف تعليقات