أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين وصلّى الله على جميع الأنبياء والمرسلين والأئمّة الهداة المهديين لاسيما خاتم الأنبياء وخاتم الأوصياء (عليهما آلاف التحية والثناء) بهم نتولّى ومن أعدائهم نتبرّأ إلى الله.

إنّ أيّام ذي الحجّة المباركة وأشهر الحج لفرصة مناسبة لإقامة مناسك الحج قربة إلى الله تعالى حيث يأتي زوّار الحرمين الشريفين من مشارق الأرض ومغاربها ليجتمعوا حول الكعبة قبلة جميع المسلمين ويطوفوا بها رافعين رايات التوحيد وناهلين من معين المعارف الإلهية الصافية عن قرب ممتثلين ومقيمين للمناسك والمراسم الدينية. هناك مسألة في غاية الأهمية ينبغي علينا جميعاً أن نأخذها بعين الإعتبار وأخصّ بالذكر مبلّغي الدين الإسلامي الحنيف وأئمّة الجمعة والجماعات بالحرمين الشريفين وهي أنّ التّوحيد هو الأصل الأوّل الذي تعود إليه جميع المسائل الدينية. وبما أنّ التوحيد أصل، فقد لزم أن يقع تكرار كلمة التوحيد حال التلبية إيذاناً ببدء الإحرام إلى الله: "لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة (والملك لك) لبّيك لا شريك لك"[1].

لقد اقتضى الأمر الإلهي أن يجري على لسان جميع المسلمين الوافدين على بيت الله الحرام النداء بالتلبية الذي يحتوي على كلمة التوحيد مكرّرة كما اقتضى أيضا أن يكرّروا هذا النّداء كلّما صعدوا من منخفض أو نزلوا من مرتفع إلى أن يصلوا إلى حرم الله. إنّ تكرار التّلبية لهو شبيه بتكرار كلمة التوحيد" لا إله إلاّ الله" التي قال عنها الرّسول الأكرم (عليه وعلى آله آلاف التّحية والثناء) طبق نقل المرحوم الشّيخ الصّدوق في التوحيد:"ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلاّ الله" [2] ؛ إذ كما أنّ الله تعالى لا ندّ له ولا نظير: "لا شريك ­لك"[3]  فالتوحيد كذلك لا مثيل له: "لا شريك للتوحيد كما لا شريك للواحد". هذا هو إعلان بدء مناسك الحج عند جميع المسلمين.

المسألة الثانية التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا مفادها أنّ الذّات الإلهية القدّسية هي التي أوجدت نظام الوجود وأعطته قوام استمراره في الوجود؛ أي أنّ الله تعالى خالق لكل شيء وربّ لكلّ شيء كذلك وقد وهب لكل موجود أثراً ما حتى ينتفع النّاس بأثر هذا الموجود ذي الأثر؛ بحيث لو عطشوا فإنّهم يتحرّكون نحو الماء ليرتووا، ولو جاعوا فإنّهم يتحرّكون نحو الغذاء ليشبعوا وإن احتاجوا للراحة والسكن فإنّهم يتحرّكون نحو دورهم ومنازلهم، وإن احتاجوا إلى العلم فإنّهم يتحركون نحو المعلّم ليتزوّدوا منه. وعليه، فإنّ جميع هذه الآثار قد وهبتها الذّات الإلهية القدسية إلى أفراد الموجودات.

المسألة الثالثة التي أودّ تذكيركم بها هي أنّ جميع الأشياء أي جميع ما سوى الله تعالى بما في ذلك الأشخاص هم فقر محض في مقابل أصل الوجود وبقاءه وأصل أوصاف الوجود وكمالاته. وعليه، فإنّ جميع هذه الأشياء فقيرة إلى الله: ﴿ أَنْتُم الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ﴾.[4]  لقد تعلّمنا من مدرسة أهل البيت عليهم السلام هذا الأمر وصرنا ندرك أكثر من ذي قبل أنّ كون الإنسان فقير ليست بمعنى أنّه ذات تتصف بالفقر بل يعني أنّه الفقر بعينه. فكما أنّ صفة الغنى أمر ذاتي لله تعالى لا تنفصل هذه الذات عن صفة الغنى، فكذلك يكون الفقر أمراً ذاتياً للإنسان بحيث لا يكون لهذا الإنسان ذات لها صفة الفقر بحيث يقال له: "ذات ثبت لها الفقر"؛ تماماً كما لا يمكن أن يقال لله تعالى أنّه "ذات ثبت لها الغنى" بل يكون هنا الإسم المشتق هو نفسه مبدأ الإشتقاق؛ أي أنّ الغنى والغني سيان. والأمر نفسه ينسحب على الإنسان؛ إذ أنّ الإسم المشتق هو نفسه مبدأ الإشتقاق بحيث يكون الفقير والفقر في الإنسان أمراً واحداً. أمّا لو كان للإنسان ذاتاً منفصلة عن الفقر بحيث يكون الفقر وصفاً لذات الإنسان من قبيل وصف الأربعة بالزوجية للزم من ذلك أن يكون الإنسان على مستوى الذات غير محتاج بينما هو عين الحاجة والإحتياج وهو على مستوى الذات مرتبطاً بالله تعالى؛ أي أنّه ذات ليست هي سوى الربط والفقر بحيث يكون اتصافها بذلك عين ذاتها. حينما تكون الصفة عين الذات الموصوفة فإنّ ذلك لا يكون كمالاً للذات حتى يحصل الاستفسار عن ماهية الصفة وهوية الموصوف! أمّا لو كانت الصفة صفة كمال، فإنّ هذه العينية تكون باعثاً للكمال، من قبيل أن نقول بأنّ الله تعالى هو عين العلم وهو عين القدرة وهو عين الغنى. وأمّا لو كانت الصفة صفة للنقص، فإنّ هذا الإتّحاد يكون مكمّلاً للنقص ومؤيداً له ويكون أيضاً باعثاً لتحقّق حاقّ النّقص في أعماق ذاته من قبيل قولنا : "الإنسان فقير". وعليه، يكون الفقر عين ذات الإنسان وليس "ذاتاً ثبت لها الفقر"، كما أنّ هذا الفقر لا يختصّ بالإنسان بل ينسحب على جميع العالم الفقير إلى الله.

المسألة التالية التي ينبغي الإشارة إليها مفادها أنّ الفقر ليس بمعنى عدم امتلاك شيء ؛ إذ أنّ من لا مال له يقال له "فاقد" للمال ولا يقال له فقير؛ إذ أنّ "الفقير" تقال لمن انكسرت فقرات عموده الفقري فلا يقوى على القيام. وبما أنّ المال والإقتصاد هو قوام الأعمال وأساس اقتدار الأمم، فإنه يقال للفرد أو للأمة التي لا تتمتّع بأموال كثيرة واقتصاد مزدهر بأن ليس لها أمل في القيام والنهوض وكأنّ فقرات عمودها الفقري قد انكسرت فلا تقوم لها قائمة. ففي هذه الحالة يقال للفرد أو للأمة "فقير" أو "فقيرة". وفي هذه الحالة، لا يملك ما سوى الله القدرة على القيام والنّهوض؛ فهو وحده حيّ قيوم وهو وحده ﴿قَائِمٌ بِالقِسط﴾ [5]، بل لا قائم إلا الله وما سواه لا يقوى على ذلك؛ لا أنّه لا يقوى على القعود أو القيام، بل لا يقوى ما سوى الله حتى على الاستلقاء ولا الاضطجاع. وحينما نقول حال القيام من السجود أثناء الصّلاة: "بحول الله تعالى وقوّته أقوم وأقعد" يعني أنني إنما بقدرة الله وحده أتمكّن من القيام وبحول الله وقوته أتمكّن من القعود. فكما أنّ القعود يحصل بقوة الله، فإنّ الاضطجاع كذلك يتمّ بحول منه وقوته. وبدون تحقّق لحول الله وقوته، لا يقتصر الأمر على عدم تحقّق قدرة الإنسان على القيام فحسب، بل يتعدّى ذلك أيضاً إلى عدم تحقّق القدرة على القعود ولا على الاضطجاع ولا على الاستلقاء ولا على الإنبطاح وبالتالي لا تتعلّق القدرة بأي حال من أحوال الإنسان على الإطلاق إلاّ بحول وقوة إلهية. وهذا هو الاستغراق في التوحيد. وصلاتنا التي هي عمود الدين[6] هي مناسبة كبرى لتعلّم هذه المعارف السامية. لقد ثبت إلى حدّ الآن أنّ أشياء العالّم وأشخاصه رغم تفضّل الله عليهم بأمور عديدة إلاّ أنّ أيّاً منهم لم يحقّق الغنى أو الاستغناء عن ربّه.

المسألة الموالية مفادها أننا نسعى وراء القمر والشمس وسائر الكواكب قصد رفع احتياجاتنا الكثيرة، حتى نحضى بالنّور وبالحرارة وبالصحّة والعافية. ونهفو إلى إنماء الكلإ والزرع والنّبات والمعادن حتى نحافظ على طبيعة نقية ومحيط سليم. كما إنّ مئات بل آلاف البركات السماوية تتنزّل على البشر من الشمس ومن القمر؛ فإنّ توقّع ذلك وانتظار حصولها عبر الشمس والقمر ليس – والعياذ بالله- بمعنى أنّنا نعبد الشمس أو القمر. نحن نرى بأنّ الله سبحانه وتعالى قد خلق الشمس لذا نعتقد بأنّه سيأتي عليها حينٌ تنمحي فيه هذه الشّمس كما قال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾[7]. والأمر نفسه ينسحب على سائر الأشياء؛ إذ أنّ الله تعالى قد خلق القمر والنّجوم والماء كذلك؛ وكل أثر ينتج عن الماء إنّما هو بإذن من الله تعالى؛ إن شاء أعطى الأثر وإن شاء منع. كما أنّ أيّ أثر يرشح من النّار فهو من الله إن شاء أظهره وإن شاء أخفاه. وفيما يخصّ حادثة النّار، يقول تعالى: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى ابْرَاهِيمَ﴾[8]  حيث يترشّح الإحراق والإشتعال من شعلة النّار. فيما يخصّ الماء الذي يتميّز بخاصّية أصلية هي الجريان وحين أمر الله تعالى ماء البحر بأن يستحيل بواسطة عصا موسى إلى اليبوسة: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي البَحْرِ يَبَساً﴾[9] ؛ لقد ورد في مضامين القرآن الكريم أن اضرب البحر بالعصا فيسكن الماء ويحصل ما يشبه السدّ ليعبر من خلاله موسى وقومه وكأنهم يمشون على اليابسة؛ فكما أنّه تعالى يبطل جريان الماء فإنّه تعالى يلغي إحراق النّار. أحياناً يأمر الله تعالى الأرض التي هي محل لسكن وسكون جميعنا بأن تنخسف لتبتلع أفراداً طغاة من قبيل قارون: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ﴾[10] ؛ كما أنّه تعالى يأمر الصّخرة الصّمّاء لموسى أن تنفتح على ماء جار حيث قال تعالى لموسى كليمه: ﴿اضْرِبَ بِعَصَاكَ الحَجَرَ﴾[11] حيث جاء الأمر الإلهي أن اضرب الحجر بالعصا فإذا بالماء ينبع من هذه الصخرة الصّمّاء.

وعليه، تكون جميع الموجودات السماوية الأرضية فقيرة إلى الله من ناحيتي العطاء والإمساك على حد السواء وخاضعة إلى الأمر الإلهي. فحينما نطلب نِعم الشمس والقمر كالنور وغيره فإنما نجعلها وسيلة لنيل هذه النعم الإلهية خاضعة ومربوبة للذات الإلهية القدسية. وينسحب الأمر نفسه على مسألة توسّلنا بأولياء الله باعتبار أنّ أهل بيت العصمة والطّهارة هم أعلى مرتبة من الشّمس ومن القمر؛ إذ لا مجال للمقارنة بين الإنسان الكامل وبين الشّمس أو القمر. فالإنسان الكامل هو الشمس الحقيقية وهو القمر الحقيقي وهو المخلوق النوراني والمخلوق الإلهي الذي اختص بأنوار إلهية ساطعة ذات حرارة شديدة  وتأثير كبير. وإن كان أتباع أهل بيت العصمة والطّهارة قد اعتصموا بآل­طه ويس واحترموا قبورهم والتمسوا من نورهم فهو من قبيل التماس النور والدفء من الشمس والقمر الذي حباهما به الله تعالى الذي أمر الجميع بالاستعانة بنعم الشمس والقمر والتي لا تملك أي استقلال عنه تعالى. وهؤلاء الأئمّة المعصومون (عليهم الصّلاة والسلام) هم الذين رفعوا شعار التوحيد وأمروا بالتلبية مع تكرارها في كل آن وحين حتى تكون بداية كل عمل ونهايته على التوحيد ولا غير. وإذا كان الأمر كذلك، فعلى جميع الأحبّة والأصدقاء وزوار الحرمين الشريفين أن لا يصدر منهم ما يسبب الأذى لأهل بيت العصمة والطّهارة والألم. ينبغي علينا جميعاً أن نأخذ هذه المسألة بعين الإعتبار.

مسألة أخرى ينبغي على أئمّة الجمعة والجماعة للحرمين أخذها بعين الاعتبار هي أنّ الذات الإلهية القدسية للكعبة قد بدأت مع خليل الرحمن وخُتمت بحبيبه كما أنّ استدامتها تتحقّق عبر المودّة. قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾[12] لقد اتّخذ الله ابراهيم (عليه السلام) خليلاً وأمره ببناء الكعبة ليكون مطافاً للمسلمين وقبلة لهم وقد بدأ ذلك بالخلّة والمودّة. مضافاً إلى ذلك، هناك أمر آخر مفاده أن سلسلة النبوّة قد ختمت بالوجود المبارك لحبيب الله ورسوله الأكرم حيث وقع على يديه إكمال بناء الكعبة التي هي قبلة المسلمين.

المسألة الثالثة تتمحور حول كون حبيب الله هو الذي جعلنا محبوبين عند الله وربّانا ضمن مدار المحبّة كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة حيث قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبْكُم اللهُ ﴾[13]  اتّبعوا حبيب الله حتى تنتقلوا من منزل المحبّين إلى منزل المحبوبين. هذا، وقد جعل سبحانه وتعالى أجر الرّسالة هو مودّة أهل بيت العصمة الطّهارة (عليهمم الصّلاة والسلام) حيث قال تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾   حيث اعتبر أنّ مودّة أهل طه ويس (عليهم الصّلاة والسلام) هي أفضل حسنة نظراً إلى مفاد الجملة التي تلت قوله تعالى:  ﴿ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ حيث قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً﴾[14] إنّ المصداق الأعلى والأكمل للحسنة هو ولاية أهل بيت العصمة والطّهارة. وعليه، تبدأ العناصر المحورية للكعبة التي هي قبلة المسلمين ومطافهم من الخلّة وصولاً إلى المحبّة ثم تستمرّ إلى تحقيق المودّة. وحين تشتد الخلّة تحصل المحبّة ثم تحصل المودّة وحينها لا يبقى مجال للحقد وللبغضاء وللعداوة. وعندها يكون المسلمون يداً واحدة على أعدائهم[15].

مسألة أخرى ترتبط بموضوع البراءة من المشركين؛ أرجو من الخطباء المحترمين للحرمين الشريفين أن يولوها العناية اللازمة ليحييوا الحسنة الإلهية التي سنّها الإمام الرّاحل (رضوان الله تعالى عليه) ولا يدعوها تبلو وتضعف حتى يتبنوا مقاومة الأعداء ولا يندّدوا بهذا التكليف باعتبار أنّ البراءة من المشركين تعني أنّ مسلمي العالم لو كان لهم القدرة، لدافعوا عن حريمهم حيثما كانوا، من دون أن تدعوَ الحاجة إلى إعلان تبرّيهم من المشركين في مكان آخر غير مواطنهم، باعتبار أنّ الكفّار جاثمين على صدور المسلمين في بلاد الإسلام؛ أنتم تلاحظون جميعاً وأخصّ بالذكر الخطباء المحترمين للحرمين الشريفين أنّ الشرق الأوسط يعيش وسط حريق ونار مستعرة بين المسلمين وغيرهم؛ أحياناً تشتعل نار الحرب في فلسطين وغزّة ولبنان وسوريا وأحياناً أخرى في أفغانستان والباكستان. غالباً ما لا يمرّ يوم على العراق إلاّ ونشهد بحراً من الدّم. وحيناً آخر تستعر الحرب في اليمن وأمثال ذلك كما أنّ إيران الإسلامية التي هي مهد ولاية أهل بيت العصمة والطّهارة ومهد اتّباع القرآن والعترة قد اكتوت لسنوات متمادية بنار الحرب. وعليه، هل إنّ هذه النار المستعرة في الشرق الأوسط يقف وراءها المسلمون أنفسهم أم غير المسلمين؟ وحتى لو يحدث أحياناً أن يقف مسلمون وراء بعض هذه الأحداث المؤلمة فإّنّ المشركين هم من دفعوهم إلى ذلك من خلف الكواليس. فلو أرادت الأمّة الأفغانية المظلومة أو الباكستانية من جهة أو مسلمي غزّة وفلسطين وسوريا ولبنان من جهة ثانية أو الأمّة الإيرانية أو العراقية من جهة ثالثة أن يتبرّؤا من المشركين، فهل يوجد مكان آخر للقيام بذلك أفضل من مراسم ومناسك الحجّ أو مواقف الحجّ أو يوم الوقوف بعرفات أو يوم الحجّ الأكبر وهو المناسبة التي نزلت بسببها سورة "براءة" وقُرئت آنئذ؟ إنّ أشدّ ما نخشاه هو أن يطلع علينا أحدهم ليقول لنا بأنّ البراءة من المشركين ليست جزءاً من مناسك الحجّ! فأين سيتمكّن هؤلاء المسلمين المتحمّسين من إيصال أصواتهم؟ وأين سيصيح عوائل المظلومين وعوائل ضحايا الحروب والأسرى والشهداء: "إِنَّا مِنْكُمْ بُرَاء"؟ أليس الحج حجّاً ابراهيمياً؟ أليست الكعبة هي من بناها ابراهيم الخليل؟ أليس المؤمنون هم أهل خلّة ومحبّة ومودّة فيما بينهم؟ أليسوا مدعوّين أن يتّخذوا الوجود المبارك لخليل الرّحمن أسوة لهم؟ ألم يقل خليل الله: ﴿ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ﴾[16]  إنّنا جميعاً، أنا وأنتم بريؤون من المشركين أفلا نتبّرأ منهم؟ إنّ أفضل صورة للتبري لهي مناسبة الحجّ الأكبر وأمثالها للبراءة من المشركين. ندرك جميعنا بأنّ سياستنا هي عين ديانتنا بحيث لا تتضمّن أي عنصر أجنبي لا­ينتمي إلى الدّين أو يكون خارجاً عن الإسلام بل إنّ هذه الشعيرة قد رشحت من حاقّ متن القرآن الكريم. وعليه، فإنّ تكليف الجميع يقتضي أن نتبرّأ من المشركين. وإن لم نتمكّن من مناصرة المسلمين فإنّ أقلّ ما يمكننا فعله هو إطلاق صرخة البراءة لتكون مساعدة معنوية لإخواننا ونساهم في حلّ بعض مشاكلهم. وفي غير هذه الحالة نكون جميعاً مشركين. وحينها سيأتي يوم يحمل فيه المشركون على الحرمين لأنّ هؤلاء جهنّميون وجهنّم ﴿لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ﴾[17] .  

بناء على ذلك، على الإخوة الأفاضل مؤمني ومسلمي الحجاز أن يلتفتوا إلى معاني التوحيد وإلى أنّ اتباع أهل البيت هم من المستغرقين في التوحيد ومن الكمّل في التوحيد وهم منزّهون عن أيّة شائبة للشرك ومبرّؤون من أيّة تهمة من هذا القبيل. كما ينبغي عليهم أن ينتبهوا كذلك إلى ضرورة إجراء شعيرة البراءة وإيلاءها العناية الفائقة لأنّ أيّ مسلم سمع منادياً ينادي "يا للمسلمين" ولم يجبه فليس منهم وسوف يناله سخط وعذاب إلهي.

إنني مجددا أوصي جميع الزوار والحجاج والمعتمرين والمعتكفين ودعاة الحرمين الشريفين بوصية الإسلام: "أوصيكم ونفسي بتقوى الله" وأن تقدّسوا هذا الحرم الآمن الذي هو مطافنا وقبلتنا وأن تعملوا بجميع ما جاء في القرآن الكريم في جميع شؤون الحياة وتساهموا في تفسيره والعمل به ونشره بين المسلمين.

غفر الله لنا ولكم جميعاً وجعلنا وإيّاكم من المستغفرين ومن المرحومين ومن الذين يقول الله سبحانه وتعالى فيهم أولئك هم اصحاب الجنّة أجمعين.

"والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

 

[1] وسائل الشّيعة، ج12، ص376 و377.

[2] التوحيد، للشيخ الصّدوق ص18

[3] وسائل الشيعة، ج12، ص376.

[4] سورة فاطر، الآية 15.

[5] سورة آل عمران، الآية 18.

[6] وسائل الشيعة، ج4، ص27.

[7] سورة التكوير، الآية 1.

[8] سورة الأنبياء، الآية 69.

[9] سورة طه، الآية 77.

[10] سورة القصص، الآية 81.

[11]  سورة البقرة، الآية 60.

[12] سورة النّساء، الآية 125.

[13] سورة آل عمران، الآية 31.

[14] سورة الشورى، الآية 23.

[15] بحار الأنوار، ج28، ص104.

[16] سورة الممتحنة، الآية 4.

[17] سورة المدّثر، الآية 28.

​​​​​​​

 


دیدگاه شما درباره این مطلب
أضف تعليقات