أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمین و صلّى الله على جمیع الأنبیاء والمرسلین والأئمّة الهداة المهدیّین وفاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین بهم نتولّى ومن أعدائهم نتبرّأ إلى الله
نكرم قدوم الآيات، والحجج، والعلماء، والأساتذة، والمثقّفين من محافظة قزوين؛ ونكرم قدوم إمام صلاة يوم الجمعة المبارك ومدرّسي الحوزة العلميّة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يحظى جميع العلماء، والمحققين، ومؤلّفي العلوم الإلهيّة، وخاصّة المؤلفين والمحققين في ناحيتکم، برعاية خاصّة من صاحب الزمان (أرواحناه فداه)!
إنّ الإسلام من جهة أنّه دين العلم والحكمة، فإنّه يربّي المجتمع بالعلم والحكمة، ولذا فالمجتمع الإسلامي يکون من المشمولين لـ ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [1]. لطالما كانت محافظة قزوين مهد العلم والمعرفة؛ وقد انبثق من هذه الأرض کبار العلماء، والحكماء، والمحدّثين، والمؤرخين، والفقهاء، والأصوليّون المشهورون.
ومن هؤلاء الشرفاء الذين سعوا لسنوات عديدة لتأليف موسوعة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والوعظ بلسانهم، والتأليف بقلمهم (أي: ذو لسانين؛ لسان البيان ولسان البنان) هو المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد إبراهيمي (رضوان الله تعالی علیه)، الذي کان محترم عندکم جميعاً، وخاصّة إمامکم لصلاة يوم الجمعة المحترم.
وهؤلاء الشرفاء هم من المتربّين في المکتب النبوي، والعلوي، والباقري، والصادقي (علیهم الصلاة وعلیهم السلام). والسر في استعمال عنصري البيان والبنان، هو: أنّه روي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ (علیه وعلى آله آلاف التحیّة والکرم) فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): استعن بيمينك وأومأ بيده، أي: خطّ [2]؛ يعني عند ما تأتي إلى مجلس العلم، تعال بالقلم، والحبر، والورق، لتکتب ما تسمعه، ثمّ في وقت فراغك، تنظر إلى الكتابات العلميّة وتترقى بها.
وحينما يوصي الإمام الصادق (صلوات الله و سلامه علیه) مفضل بن عمر، يقول له: لا يكفي الدرس والبحث، ولا يكفي أنْ تكون عالماً، بل التوريث ضروري أيضاً؛ فإذاً وجود التراث ضروريّ أيضاً، لکن لا التراث الذي أخذه الرجل من آخر، بل التراث الذي هو مؤسّسه. نعم! قال الإمام: «فإنْ متّ فورّث كتبك بنيك» [3]؛ قال لمفضّل: عِش بأسلوب علمي وتحقيقي بحيث يرث أبناؤك كتبك العلميّة بعد وفاتك، لا المكتبة التي جمعتها من مكان آخر.
يمکن لعالم أنْ يوفّر كتاباً، ويستغلّه، ويتركه للورثة، ولکن هذا لا يشمله بيان الإمام الصادق المستنير، وقد يحاول محقّقاً ما، مثل هذا الشريف، كتابة «موسوعة الرسول»، وهذا هو مصداق لوصيّة الإمام الصادق (صلوات الله و سلامه علیه) الذي قال: «فإنْ متّ فورّث كتبك» لا کتب الآخرين؛ أي: ليرث ورثتك كتبك، ومؤلفاتك، وآثارك الفكريّة.
وكان هذا الفقيد السعيد، وهذا المجاهد الكريم، ووالد الشهيد، هو الذي استطاع اتّباع وصايا الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة، وأوامر الإمام الصادق (صلوات الله و سلامه علیه) من جهة أُخری، بتأليفه موسوعة «الرسول الأكرم علیه وعلى آله آلاف التحیّة والکرم»، وترك ميراث لورثته أوّلاً، وللحوزة العلميّة ثانياً؛ وبما أنّ هذا الشريف كان خطيباً، استفادوا نفس هذه المطالب من لسانه، وبما أنّه کان من أهل التأليف حصلوا على نفس الفائدة من آثاره وأصابعه، وکان باستطاعته الوصول إلى الحدّ الذي عند ما أراد أنْ يتشرّف إلى زيارة الأئمّة (عليهم السلام) أنْ يقول في زيارتهم الواردة في الجامعة الکبيرة: «أنّي...محقّق لما حقّقتم مبطل لما أبطلتم» [4]. وهم قالوا لنا: انّه لا يكفي مجرّد تعلّم بعض الموضوعات من خلال الاستماع، ولا يكفي مجرّد تدريس بعض الدروس من خلال اللسان، بل يجب على المرء أنْ يكون باحثاً وعالماً، ويفيد فائدته العلميّة وينشر المآثر والآثار العلميّة لأهل البيت (عليهم السلام) من خلال لسانيه البيان والبنان.
عند ما يسير الشخص على طريق هذا الفقيد السعيد، ويتبع طريق غيره من العلماء الصادقين، ذووا الآثار والمآثر في نشر المعارف المتعلّقة بالتفسير، والسنّة، والرواية، والتاريخ الإسلامي، ونحو ذلك، يجوز له أنْ يسمح لنفسه في تشرّفه إلى زيارة الأئمّة (عليهم السلام) أنْ يقول في زيارتهم: «أنّي...محقّق لما حقّقتم مبطل لما أبطلتم».
لذلك فالإحترام لهؤلاء الأشخاص، والحفاظ على أسمائهم، يحصل بتبيين آثارهم، ونشرها، وقراءتها، حتی يكون الأثر الثوري من جهة، والأثر الإستشهادي من جهة أُخرى، وأثر التأليف والتبيين من جهة ثالثة، واضحاً بالکامل. أولئك الذين أيّدوا كتاباتهم بالدم، وحلّلوا علمهم الصائب بالعمل الصالح، وأوضحوا الثورة العلميّة بالإقدام العملي، يستحقّون الشهرة، وإنّ إحياء ذكری هؤلاء الأشخاص، وأسمائهم، يجلب فضيلة علميّة؛ عند ما يقول الله سبحانه للرسول الکريم (علیه وعلى آله آلاف التحیّة والثناء): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾ [5]، ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾ [6]، يعني اذكر هؤلاء واحيي ذکراهم، وإحياء ذكرى هؤلاء يعني نشر العلم والعمل الصالح.
إذا كان الإنسان أُحادي البُعد فينبغي أنْ يحظى بنفس القدر من الإهتمام، وأمّا إذا كان متعدّد الأبعاد وقد قضى حياته الشريفة في نشر آثار الرسول الكريم (علیه وعلى آله آلاف التحیّة والکرم)، فإنّه يستحق التقدير من كلّ العلماء، ولا سيّما أنتم علماء قزوين العظام، ومن المجال العلمي، فعليكم بنشر آثار هذا الفقيد، وتكريم اسمه وذكراه؛ إذ أنّ أسماء هؤلاء الأشخاص وذکراهم مکرّمة؛ «رحمة الله علیه یوم ولد و یوم مات و یوم یبعث حیّاً».
مرّة أُخرى، أكرم مقدمکم جميعاً أيّها الأفاضل، ونقدّر من إمام صلاة يوم الجمعة، وعلماء قزوين العظام والمكرّمين، ونسأل الله سبحانه، أنْ يحفظ نظامنا، وقائدنا، ومسؤولينا، وحكومتنا، وأُمّتنا، وبلدنا، في ظل وليّ أمره!
«غفر الله لنا ولکم والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته»
[1]. سورة البقرة (2): الآية 129.
[2]. المجلسي، بحارالانوار، ج2، ص152، ح36.
[3]. المجلسي، بحارالانوار، ج2، ص150، ح27.
[4]. الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص614.
[5]. سورة مريم (19): الآية 41.
[6]. سورة مريم (19): الآية 51.